مركز الدفاع في كرة القدم، هو أكثر مركز غير مرغوب فيه من قبل الهواة، وذلك طبعًا بعد مركز الحارس. مشكلة مركز الدفاع أنك حين تقوم بعملك بشكل جيد فإنك لن تشعر بنشوة عظيمة كالتي تشعر بها حين تسجل هدفًا أو تصد كرة صعبة جدًا بصفتك الحارس، وحين تخطئ فإن الجميع سينظر إليك. والأمر يصبح أصعب حين تكون المدافع الوحيد مقابل مهاجمين أو أكثر وبقية اللاعبين لا يساندونك لأنهم اندفعوا جميعًا لستجيل هدفٍ لم يسجلوه. فلماذا كنت المدافع الأفضل؟ أو لماذا كنت مدافعًا أصلًا؟
نشأت ككل السعوديين على حب كرة القدم، ولعبت كرة القدم في المدرسة كثيرًا، ومن أقدم ذكرياتي، تلك الذكرى حين كنت في الصف الثالث الابتدائي، أتذكر أنني خطفت الكرة من أبرز مهاجمي الفريق الخصم من ثلث الملعب الأول، وركضت بالكرة حتى الثلث الأخير من اللعب ولم يلحقني أحد إطلاقًا لأن لا أحد يدافع في الفريق الخصم، حتى وصلت إلى الحارس، فسددت الكرة وسجلت هدفًا رائعًا، فرحت بالهدف كثيرًا ومازلت أفرح به كلما تذكرته. أما حين انتقلت إلى الصف الرابع الابتدائي، كنا في حصة البدنية نلعب بفريقين لا تتغير طوال السنة. كان فريقي يحتوي على أفضل مهاجمَيْن في الفصل، لم يكن في فريقي أحد يريد الحراسة ولو لفترة قصيرة، ولكن لأنني كنت أهتم بالفريق أكثر من الجميع، كنت حارس الفريق طوال السنة، والحقيقة أن الأمر كان سيئًا ومملًا ولم يشكرني عليه أحد، ولكن استفدت من هذا الأمر لاحقًا.
انتقلت في الصف الخامس الابتدائي إلى مدرسة جديدة، ولم أعد الحارس الدائم في حصة البدنية، ولكن حرصي على أي فريق ألعب فيه لم ينقص، لذلك صرت دائمًا أدافع. أصبحت أستمتع بهذا الدور واقتنعت أنني من أهم اللاعبين في الفريق لأنني المدافع الوحيد، وفي أحد الأيام، قفزت لقطع تمريرة عالية كانت موجهة لمهاجم كان واقفًا بجانب المرمى ينتظر الكرة، حين لمست قدماي الأرض مرة أخرى أحسست بأن قفزتي كانت عالية جدًا ولم أصدق نفسي، ولكن حين رفعت رأسي، رأيت أن الجميع كان مذهولًا بما قمت به، والبعض بدأ يشيد بتلك القفزة، حينها فقط، أحسست بالفخر كوني مدافع الفريق للمرة الأولى في حياتي.
استمريت باللعب كمدافع، وأقدم نفسي للجميع كمدافع في كرة القدم. في المرحلة المتوسطة، حين نقسم الفرق في حصة البدنية، كنت دائمًا من أهم اللاعبين، ويحرص الجميع على انضمامي لفريقهم، واستمر الأمر هذا في المرحلة الثانوية أيضًا. في الصف الثاني الثانوي، لعب فريق فصلي في دوري المدرسة، وانتصر فصلنا في المباراة الأولى، وقبل أن يلعب فريقنا المباراة الثانية، قرر حارس فريق فصلنا الانسحاب من الفريق، وقد أشُيع أنه لا يريد أن يظهر بمظهر سيء أمام المدرسة كلها ظنًّا منه أن الحراسة للسيئين فقط. بدأ أفراد الفريق يبحثون عن أي شخص ليأخذ مكان الحارس، وكان الجميع يرفض، حتى سألوني بإلحاح قبل المباراة بيوم، ولم أكن أحتاج إلى الإلحاح لأوافق خصوصًا أنني لست غريبًا على هذا المركز، وقد كنت دائمًا أريد اللعب في دوري المدرسة، ولكن أعضاء أي فريق في المدرسة في كل المراحل لن يفضلوا مدافعًا على مهاجم معتقدين أن الجميع يستطيع أن يدافع. لعبنا المباراة الأولى وانتصرنا بركلات الترجيح بعد أن تصديت لركلتي ترجيح، والمباراة الثانية كانت المباراة النهائية للبطولة، وقد أحرز الفريق الخصم هدف الفوز عند طريق رفعة من ضربة زاوية وصلت إلى مهاجم الخصم الذي تركه لاعبي فريقي يقف بكل حرية في منطقة الجزاء مما سمح له بضرب الكرة برأسه بكل هدوء ودقة لتدخل المرمى بكل بساطة.
وانتهت المرحلة الثانوية وانتهى معها اللعب الأسبوعي لكرة القدم، لذلك لم أعد بعد الآن المدافع الأفضل. وأهم ما جعلني أفضل مدافع في تلك الفترة ثلاثة أسباب:
الأول: الإحساس بالمسؤولية.
الثاني: الالتزام.
الثالث: الاستمرارية.
وفي الحياة، هذه الأسباب الثالث ستجعل أي شخص أفضل في كل الأمور.
4 replies on “لماذا كنت أفضل مدافع؟”
مقال رائع الصراحة وآخر فقرة هي الأروع 👍🏻
واتمنى انك تستمر بالمقالات الجميلة هذي ❤️
إعجابإعجاب
شكرًا عبدالله .. وأتمنى أن تحوز مقالاتي القادمة على رضاك
إعجابإعجاب
مقال جميل ورائع ، وما يميز هذا المقال تسليط الضوء على المركز الاقل شعبية ، بأخ اصغر مني وهو محب لمركز الدفاع واما انا فكنت متأثر باللاعب الكبير ماجد عبدلله ، وللاسف اذا ذهبنا للعب مع الاصحاب غالبا يكون اخي في الفريق المنافس فأضطر للعب بمستوى اقل من العادة حتى لا أحرج اخي ، ويلومني كثيرا اصحابي في الفريق لانهم اختاروني لتسجيل الاهداف وما افعله في الواقع مجاملة اخي.
اما اخي الاصغر فقد كان لاعبا فذا ولديه موهبة مميزة ولكن ابتعد عن الملاعب وانا انتظر رجعته لاني واثق من موهبته
إعجابإعجاب
يُذكر أنك كنت تضرب الكرة بالرأس كماجد عبدالله في أفضل أيامه، ناهيك عن ارتقاءاتك العالية جدًا.
إعجابإعجاب