لا أستطيع تذكر أول فلم كرتون شاهدته في حياتي، ولكنني لم أتوقف عن مشاهدة برامج الرسوم المتحركة حتى يومنا هذا، ولكنها أصبحت تُعرف باسم “الإنمي”. ما الذي تغير ليتحول الاسم من أفلام الكرتون إلى الإنمي؟ وما الذي جعلني أستمر في هذه الرحلة؟
في طفولتي كنت أصحو صباحًا لأجد والدي -حفظه الله- أعد القهوة والشاهي وما يرافقها مثل التمر، فأجلس معه في صالة منزلنا أمام التلفزيون، وأنتظر أن تبدأ القناة السعودية الأولى برامجها. لم أكن أهتم بما يعرض حينها حتى تبدأ فقرة الرسوم المتحركة، هكذا كانت تسمى في جدول البرامج الذي تعرضه القناة، في فقرة الرسوم المتحركة يعرض مجموعة ممتعة من أفلام الكرتون القصيرة بتتالٍ دون انقطاع، مثل: “توم وجيري” و”بغزبني” و”بنك بانثر”، و”بيب بيب” الذي نعرفه جميعًا ولكنني لا أعرف اسمه الحقيقي. تنتهي هذه الفقرة الممتعة جدًا بانقطاع مفاجئ أثناء عرضها، ليبدأ برنامج “المملكة هذا الصباح”، وكم أكره هذا البرنامج. سامح الله معدي القناة وقتها فكم أحزنوني.
حين كنت أدرس في المرحلة الابتدائية، كانت القناة السعودية الأولى تعرض ظهرًا مسلسل أفلام كرتون مدبلج كل فترة، ويتابعها جميع الطلاب في المدرسة. فلا أنسى كيف كان الحماس في المدرسة بعد كل حلقة من “الرمية الملتهبة”، أو حماسنا على الغداء في بيتنا أيام عرض مسلسل “بشار” و”فلونا”.
ولكن، لم تكن قنوات التلفزيون هي المصدر الرئيسي لمشاهدة أفلام الكرتون، بل كانت أشرطة الفيديو، وقد يكون مسلسل “سلاحف النينجا” أول فلم كرتوني أثارني. فمنذ صغري كان يوجد في بيتنا العديد من أشرطة فيديو أفلام الكرتون، وقد كنت محظوظًا لأن أَخَوَي الأكبر مني يحبون مشاهدة أفلام الكرتون واختياراتهم للأشرطة كانت مذهلة. بدءًا بمسلسل “غرندايزر” الشهير والذي كانت تبكيني حلقته الأخيرة. و”جزيرة الكنز” المذهل ولكننا لم نشتري إلا شريط الجزء الأول. ومسلسل “كبمارو نينجا” الذي جعلني أتمنى أن أكون نينجا، ولكنني أدرك الآن للأسف أن هذا لن يحصل أبدًا. والكثير من المسلسلات الأخرى مثل: “ساسوكي” و”سانشيرو” و”الكابتن ماجد”.
كانت كل هذه المسلسلات تتمتع بإنتاج صوتي رائع، فأصوات الشخصيات كانت جميلة، ومناسبة للشخصيات، ومفعمة بالمشاعر، وخير مثال لهذا صوت “سلفر” في “جزيرة الكنز”. وكذلك جمل الحركات التي يصرخ بها “دايسكي” أو “الدوق فليد” حين يقوم “غرندايزر” بهذه الحركات مثل “الصحن الدوار” و”شعاع الفضاء”. بالإضافة إلى إتقان اللغة العربية في حوارات هذه المسلسلات، الذي جعل منها مفهومة وممتعة للمشاهدة. ولا يمكنني أن أنسى المقدمات الغنائية الإبداعية لكل مسلسل مثل مقدمات أجزاء “الكابتن ماجد”، التي تتغير في كل جزء وفي كل جزء لها نغمة خاصة لا تنسى.
للجميع ذكريات مع أفلام الكرتون، ولكنني مثل الكثير من الناس، ما زلت أتابع الرسوم المتحركة، والتي أصبحت تسمى “الإنمي”. والفرق بسيط بين أفلام الكرتون والإنمي، فأفلام الكرتون إنتاجات أمريكية وهذا اسمها في أمريكا، أما الإنمي فهي إنتاجات يابانية وهذا اسمها في اليابان. وتقريبًا، كل مسلسلات الرسوم المتحركة المدبلجة إلى العربية، هي بالأصل إنتاجات يابانية حتى وإن ظهرت القصة بطابع أوروبي مثل “عهد الأصدقاء”.
إنتاجات الإنمي لم تتوقف، ولكن الدبلجة العربية لها توقفت ولا أعرف أسباب ذلك. ففي اليابان، يتم إطلاق مسلسلات الإنمي مع بداية كل فصل من فصول السنة، ففي بداية الشتاء لعام ٢٠١٨م، سيتم إطلاق عدد من المسلسلات التي أتشوق لرؤيتها، وعادة تعرض هذه المسلسلات أسبوعيًا على ١٢ أو ١٣ حلقة، أي فترة الموسم فقط. ولكن يظهر أحيانًا مسلسلات تكون أطول من ذلك، فتمتد إلى ما يقارب ٤٠ حلقة، مثل الإنمي الشهير “ديث نوت”. ويوجد عدد بسيط من المسلسلات التي تتعدى حلقاتها ١٠٠ حلقة، مثل “ناروتو” الذي انتهى عرضه مؤخرًا. وفي الوقت نفسه ما زالت حلقات مسلسل “المحقق كونان” تُعرض، فقد وصلت في هذا الأسبوع إلى الحلقة ٨٨٦.
ما زلت أتابع مسلسلات الإنمي والتي كانت تسمى سابقًا “أفلام الكرتون” لأنها ليست موجهة للأطفال فقط، فمسلسل مثل “سالي” لا يمكن أن يكون موجهًا للأطفال وهو بهذه الكآبة، ومثل “جزيرة الكنز” الذي لن يفهم أحداثه ومجرياته سوى الكبار. الخيال في الإنمي لا حدود له ومتقن جدًا في العرض، فكل العناصر الموجودة في كل لقطة مرسومة بأسلوب متجانس يجعلك تتقبلها ببساطة. المشاعر بين شخصيات المسلسل مختلفة عما نراه في المسلسلات الأمريكية أو الهندية أو الخليجية، ففيها مشاعر الصداقة والأخوية أكبر من مشاعر الحب التي حين تكثر تكون غير لائقة، وأبرز مثال على هذا مسلسل “عدنان ولينا”، فرغم أن المسلسل يدور حولهما إلا أنه لا يوجد في المسلسل ما لا يليق بمشاهدته، بالإضافة إلى هذا فمسلسلي المفضل “ون بيس” لا يحتوي على قصة حب رئيسية، وهذه إحدى مميزاته.
عالم الإنمي ليس مسلسلات فقط، فإنتاجات أفلام الإنمي لا تتوقف أبدًا. ففي سنة ٢٠١٦م تم عرض فلم “Kimi no Na wa” ويُعرف أيضًا باسم “Your Name”، حاز هذا الفلم على انتشار واسع بين عشاق الأفلام، وأسعى لمشاهدته مع أصدقائي يوم الخميس القادم. أما آخر فلم شاهدته كان فلم “Patema Inverted”، لهذا الفلم قصة خيالة مذهلة جعلتني فور انتهائه أنظر إلى السماء بنظرة جديدة ومختلفة.
مازلت أتابع حلقات “ون بيس” حلقة حلقة كل أسبوع، وقد بدأ عرض أول حلقة لهذا المسلسل في عام ١٩٩٩م، ومازلت أعتبره أفضل إنتاج ترفيهي تلفزيوني على الإطلاق، وقد وصل إلى الحلقة ٨١٩. وشاهدت مؤخرًا مسلسل “هجوم العمالقة” المعروف باسم “Attack on Titan”، في كل حلقة من حلقات هذا المسلسل تتجدد إثارته ويزداد شغفي لفك غموضه ومعرفة ما سيحدث، أنصح الجميع بلا استثناء بمشاهدة هذا المسلسل. أما المسلسل المفضل في موسم خريف ٢٠١٧م، كان مسلسل “Inuyashiki”، تميز هذا المسلسل بفكرة خيالية جديدة توضح الفرق بين تأثر مشاعر الناس بالأحداث المتشابهة.
هذه الرحلة الترفيهية لم تنتهي بعد، ولا أود أن تنتهي.