منذ عام ٢٠٠٨م، يأتي معرض الرياض الدولي للكتاب سنويًا في شهر مارس “مع الأشواق وقت الربيع والورد”. تنظم وزارة الثقافة والإعلام هذا الحدث الرائع الذي أصبح من أهم أحداث السنة للكثير من أفراد المجتمع، كما أنه ساهم في نشر ثقافة القراءة في المجتمع بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى دعم الكاتب السعودي والتشجيع على الكتابة، وتسهيل التواصل بين القراء والكتاب.
منذ عام ٢٠١٠م، بدأت المعارض بالانتشار في مدينة الرياض، وكان معرض الكتب من أول هذه وأكبرها صيتًا في المجتمع. ولأن المعارض لم تكن منتشرة في مدينة الرياض في السابق، أصبح مجموعة الناس يذهبون لهذه المعارض للنزهة أو لمجرد حضور معرض، فالمعرض كان أمرًا غريبًا علينا. ومع المهتمين لكل معرض وتحديدًا لمعرض الكتاب: أصبحت المعارض مزدحمة جدًا بشكل مزعج تحديدًا في نهاية الأسبوع. أما الآن في سنة ٢٠١٨م، اختلف الأمر، فجل الحضور أصبحوا من المهتمين لما يُعرض، مما جعل معرض الكتاب مريحًا ولائقًا للجميع.
لا أذكر متى كانت بالضبط آخر سنة ذهبت فيها إلى معرض الكتاب، ولم أنوي الذهاب في هذه السنة أيضًا، لأنني في كل يوم أصحى وأرى مجموعة من الكتب بجانب سريري، يغطيها الغبار من كل جانب، وهذه الكتب هي التي اشتريتها من آخر زيارة لمعرض الكتاب. لا أعرف ماذا حدث لكنني لم أعد مهتمًا بقراءة الكتب.
في هذه السنة، نظمت وزارة الثقافة والإعلام مجموعة من الأنشطة المصاحبة للمعرض، ومنها مارثون الترجمة. ما هو نشاط مارثون الترجمة؟ لم أكن أعلم حين سجلت للمشاركة به، ولكنني سجلت رغم ذلك. إن الترجمة من أكثر المواضيع التي تثير اهتمامي، وفي حياتي الدراسية فكرت كثيرًا بالتخصص فيها، لكنني لم أفعل. بعد التسجيل في هذا النشاط، كل ما أعرفه أنني سوف أذهب إلى معرض الكتاب في الساعة الرابعة والنصف من مساء الجمعة لترجمة مقال ما من العربية إلى إحدى اللغتين: الانجليزية أو الفرنسية.
في مساء الجمعة، انطلقت من بيتنا في الساعة الثالثة والنصف، ووصلت إلى المعرض في الساعة الرابعة، ومعي حاسوبي القديم، فقد طُلب من جميع المشاركين إحضار أجهزتهم معهم. بحثت عن القاعة، لم أجدها بسهولة ولكنني وجدتها بعد سؤال العديد من المنظمين ورجال الأمن. كان في القاعة مجموعة من الطاولات، وكل طاولة بجانبها أربع كراسي، وتوجد طاولتين وُضع عليها المقالات المطلوب ترجمتها. أخذت أول مقال أمامي، وكان عن محافظة “رياض الخبراء”. عندما جلست، وجدت ملحوظة كتب عليها أن المقالات مأخوذة من موقع ويكيبيديا وقد يوجد بها بعض الأخطاء اللغوية، وإرشادات لتسليم المقالات بعد الانتهاء.
بعد أن انتهت من الترجمة وتسليم المقال، لاحظت أن القاعة كانت ممتلئة بالمشاركين، وكان غالبية المشاركين من النساء وبشكل ملحوظ، فقد كان عدد الذكور خمسة وأنا سادسهم، مقابل ما لا يقل عن ثلاثين امرأة. تجولت بعدها في معرض الكتاب بلا هدف. كان منظر الكتب مثيرًا للتأمل، عدد لا ينتهي من الكتب، من سيقرؤها؟ حينها، اقتربت من أحد الكتب وأردت فتحه بتلقائية تامة، لكنني لم أستطع، بعد النظر إليه، أدركت أنني كنت أحاول فتحه من الجانب الأيمن، وكررت فعلتي مع الكتاب الثاني والثالث أيضًا، أدركت أن ما حدث كان بسبب أني لا أقلب أي أوراق إلا في العمل، وكل الأوراق في العمل باللغة الانجليزية.
استمر معرض الكتاب بالتأثير علي، لم يكتفي بتذكيري كيفية فتح الكتب العربية بتلقائية فحسب، بل أصبحت أريد أن أقرأ. حاولت مقاومة هذه الرغبة لأنني أخاف أن أشتري كتبًا لا أقرأها. قررت أخيرًا أن أشتري مجموعة من الروايات لأنني أحب الأعمال الأدبية وأحب قراءة الروايات، قررت أيضًا أن أشتري روايات سعودية فقط، لأنني لم أقرأ من قبل أي رواية سعودية، وقررت كذلك أن تكون رواية سعودية نُشرت قبل سنة كحدٍ أقصى. بحثت سريعًا وقتها لكن بحثي لم يكن مجديًا. فقررت العودة مرة أخرى للمعرض بعد أن أبحث عن روايات توافق رغباتي.
في الساعة العاشرة ليلًا، أخبرني أحد الأصدقاء أنه رآني في مارثون الترجمة، وحاول أن يقابلني ولكنني حسبما قال: “اختفيت فجأة”. أخبرني حينها أنه من المنظمين لهذا النشاط، فطرحت عليه مجموعة من الأسئلة التي كانت تدور في بالي وأجابني عليها كلها. هدف مارثون الترجمة، هو ترجمة عدد كبير من المقالات عن المملكة العربية السعودية ونشرها للعالم، وقرأت في تغريدات حساب معرض الكتاب الرسمي أن وزارة الثقافة والإعلام تهدف من خلال هذا النشاط إلى نشر ٥٠٠ مقال عن السعودية.
في يوم السبت، بحثت عن روايات سعودية حديثة، لم يكن البحث سهلًا ولا أظنني اتبعت أفضل طرق البحث عن الكتب. توصلت إلى ثلاث روايات:
- رواية الحالة الحرجة للمدعو “ك.” – للمؤلف: عزيز محمد. نشرها دار التنوير.
- رواية خراف البرج الزجاجي – للمؤلفة: نداء أبو علي. نشرها منشورات ضفاف.
- رواية الصابئة – للمؤلفة: حنان القعود. نشرها مركز الأدب العربي للنشر.
ذهبت يوم الأحد إلى معرض الكتاب بهدف شراء هذه الروايات الثلاث، كان الأمر سريعًا وبسيطًا جدًا، وتشرفت حينها بالحصول على توقيع المؤلفة حنان القعود على نسختي من كتابها.
كما وصلني صباح يوم الإثنين رسالة عبر البريد الالكتروني، مفادها أن مقالي قد تجاوز معايير التحكيم في مارثون الترجمة، وأنني حصلت على وسام مارثون الترجمة.
في نهاية المقال، أهدف إلى قراءة الروايات الثلاث خلال شهر والكتابة عنها في مقال مستقل، فهي تجربتي الأولى في قراءة رواية سعودية.
تم الاقتباس من قصيدة يا الزينة ذكريني للشاعر الشيخ عيسى بن راشد.
2 replies on “معرض الكتاب ٢٠١٨م ومارثون الترجمة”
الكاتب شخص مُحارِب .يستطيع ترويض فِكرة .تحوير أخرى .كسر قانون
و النهوض ب حضاره فكريّه . أو حتى إدعاء نهج وإقناعك به .كل كلمةٍ من منظُوره .. مَعركة
إستمتعت بالقراءة وكل التهاني لمترجمنا اللي طرح النساء بكثرتهم .مبروك لِ فوزك و لِ حِسّك الكتابي ❤️
إعجابإعجاب
شكرًا، لا أستطيع الرد على الجمال الهائل في هذه الكلمات. وإحقاقًا للحق فلم أطرح فلم يكن سباقًا أصلًا، بل كان المطلوب تجاوز المعايير فقط. الله يبارك فيك، وشكرًا مرة أخرى، وشكرًا كثيرًا.
إعجابإعجاب