كل شخص في كل رحلة له دوره الخاص، فترى أن شخصًا في الرحلة يقوم بجلب معظم الأدوات المهمة في الرحلة، وآخر يضفي للرحلة أجواء ممتعة بأحاديثه، وآخرون لا يقومون بهذا ولا ذاك، ولكن الرحلة لن تكون ذاتها من دونهم. هذا ما تعلمته من رحلة حجايز الثالث عشر من أبريل عام ٢٠١٨م.
عبدالله بن عبدالرحمن هو قائد الرحلة والمنسق لها. أرسل عبدالله قبل الرحلة بيومين دعوات لمجموعة من الشباب من هواة هذه الرحلات، وقد ذكر في الرحلة أن وجهتنا هي “شعيب الجفير”، وطلب الإجابة بالموافقة لمن أراد الحضور لمعرفة العدد وإحضار كمية الغداء المناسبة بما أنه هو أيضًا طباخ الرحلة.
في اليوم الذي يسبق الرحلة، أخبرني المهندس عبدالرحمن بن ناصر أن سيذهب لنفس الرحلة برفقة أخيه راكان، لم أؤكد مرافقتي لهم لأنني أردت النوم أكثر. وهذا كل ما أعرفه قبل أن أنام. استيقظت من نومي قبيل الساعة ١١ صباحًا، هاتفت عبدالرحمن لأعرف مستجدات الرحلة، فتفاجأت أنهم لم ينطلقوا بعد، ويعود سبب هذا أن راكان لم يكن بكامل عافيته، فاتفقنا على أن أرافقهم. ركبت سيارة راكان بعد تأكدت أنني أحضرت الأدوات المناسبة لممارسة هواية التصوير، وكان راكان على كرسي القيادة وفي الخلف يجلس عبدالرحمن وعبدالله بن سعود.
ونحن في الطريق قررنا أن نصلي الجمعة في محطة الزمامي، لنسلك بعدها طريق نساح إلى أن نصل إلى شعيب الجفير، ولكن بعد الصلاة، تم الاتفاق عبر الجوال مع عبدالله بن عبدالرحمن أن نذهب إلى شعيب الأوسط لأننا تأخرنا وشعيب الجفير يبعد عنا ما يقارب الساعة، فتوقفنا عند المسجد المجاور للأوسط حتى نلتقي مع عبدالله. وصلنا عبدالله وكان أخوه محمد يرافقه، وانضم إلينا عبدالرحمن الحقباني وركب مع عبدالله.
انطلقنا في سيارتين إلى شعيب الأوسط، كان هدفنا الأساسي هو البحث عن شجرة ظليلة نجلس تحتها، وعندما وجدنا هذه الشجرة، وجدنا عائلة استظلوا تحتها قبلنا، لذلك غيرنا اتجاهنا لنتجاوزهم، فتفاجأنا بأحد صغارهم يرمي علينا الحصى، والحمدلله أن رميته ليست قوية فلم يضربنا. تعمقنا في الأوسط أكثر، لكننا لم نجد ضالتنا، لذلك قررنا تغيير وجهة الرحلة إلى “شعيب الحجايز“.
أثناء خروجنا من الأوسط، قابلنا ابراهيم بن عبدالله بسيارته ويرافقه ابنه عبدالله “عبود“، فلحقنا ابراهيم إلى الحجايز. أخذنا نبحث عن شجرة ظليلة في الحجايز أيضًا. بعد بحثٍ قصير، أشار لنا المهندس عبدالرحمن على شجرة ظلها بسيط ولكنه كافٍ لعددنا البسيط، فكان اختيارًا موفقًا، كما أخبرنا أنه قد جلس تحت هذه الشجرة في رحلة سابقة.
أوقفنا سياراتنا أخيرًا وأنزلنا فرشنا وأغراضنا للجلوس تحت شجرة عبدالرحمن. في مكاننا كانت الأرض رملية في أسفل الشعيب، وجانبي الشعيب الصخرية ليست متباعدة كثيرًا، وتظلنا الشَّجرة. وصلنا أخي بندر بن سليمان بعد مدة قصيرة من جلوسنا ومعه المشروبات الغازية بعد أن اتصل به عبدالله بن سعود لإخباره عن مكاننا ولإحضار المشروبات الغازية. وأثناء جلوسنا، هب الهواء لمدة قصيرة، ولكن حركة الهواء كانت سريعة جدًا لدرجة أنني لم أستطع إبقاء عيني مفتوحة فحبات الرمل تتدافع على وجهي. وحين توقف الهبوب، تغير الجو بالكامل. أصبحت السماء محملة بالأتربة ولكن الرؤية الأفقية لم تتأثر، مما أدى إلى انخفاض حدة الشمس، حتى أننا لم نعد نحتاج إلى الظل فالشمس أصبحت هادئة والجو ليس حارًّا.
منذ الوهلة الأولى من وصولنا إلى مكاننا هذا، أخذ عبدالله بن عبدالرحمن بإعداد الغداء والذي كان مكون بشكل رئيسي من الأرز ولحم الحاشي، وعندما جهز الغداء تعاون الجميع طبعًا لإعداد مكان الغداء والغسيل. جلسنا على صحنٍ واحدٍ فلم يكن عددنا كبيرًا، وكان منتشرًا على الصحن مجموعة من حبات الفُلْفُل الأحمر الذي يميل لونه إلى البرتقالي، كان ذلك الفُلْفُل حِرِّيفًا جدًا حتى أن بعضنا تعمد تجنبه، أما الأرز فكان لذيذًا لذةً جعلتنا نتحدث عنها بعد اللقمة الأولى. أثناء الغداء أخبرنا المهندس أنه أحضر الفلفل من مزرعة صديقه التي تقع في شقراء، وفلفل شقراء مشهور بحَرافته الشديدة.
بعد الغداء صلينا العصر ثم جلسنا لشرب الشاهي، وقد غيرنا مكاننا لأننا لم نعد نحتاج إلى الظل. شربت بيالة من الشاهي فقط، فمنذ وصولنا وأنا متلهف إلى صعود تلك الصخرة البارزة والمنشقة من جدار الشعيب والتي جعلتني أتسائل من روعتها: “كيف تكونت؟” فسبحان خالقها. فالإضافة إلى حماسي، كان عبود متحمسًا للمشي وصعود هذه الصخرة الرائعة أيضًا، كما رافقنا عبدالرحمن الحقباني.
كنا نرى تلك الصخرة طوال الوقت من جانب واحد، لكنها أكثر إعجابًا من الجانب الآخر، فقد كان يفصلها عن جدار الشعيب مجرًى للسيل يمتد من أعلى الجدار. كان هذا المجرى متدرجًا ممتلئ بالصخور الضخمة، كما كانت المياه تجتمع بكمية بسيطة فوق كل درجة لتجعل المنظر غاية في الروعة. هذه الطبيعة المتدرجة جعلت صعود هذه الصخرة أمرًا هينًا. استمتعنا نحن الثلاثة بالجلوس فوق الصخرة في ذلك الجو المنعش. أخذت وقتي بالتقاط مجموعة من الصور، في حين كان عبدالرحمن يستمتع برمي الصخور الصغيرة والكبيرة، وكان عبود يصرخ وينادي ليجرب ليسمع الصدى فقد عرفه للمرة الأولى. وأثناء نزولنا، أخبرنا عبود أن هذه هي “أفضل مغامرة” في حياته.
عدنا نحن الثلاثة وجلسنا مع بقية المجموعة. أخبرناهم عن مغامرتما وعن روعتها بكل التفاصيل، فلم يطل الأمر بالبقية حتى ذهبوا جميعًا للصعود باستثناء راكان الذي دعاني ودعا عبود لجولة بالسيارة فوق الكثبان الرملية المذهلة. بعد جولتنا وعودة البقية، جلسنا لنحتسي القهوة العربية التي نحبها جميعًا عند أذان المغرب. وبعد صلاة المغرب لملمنا أغراضنا وانطلقنا إلى فيهق العزيزة.
مع أنني لم أذكر محمد بن عبدالرحمن هنا كثيرًا، إلا أن أدواره وعمله ومشاركته في الحديث أضفت للرحلة ما جعلها هذه الرحلة التي أكتب عنها ولا أود نسيانها. قد تبدو في النهاية قصة لا تستحق القراءة، ولكنها بالنسبة لي على الأقل تستحق القراءة والكتابة.