من حظنا نحن العرب أننا ما زالنا نقرأ ونكتب لغة عمرها أكبر من ١٤٠٠ سنة، وقد تكون أكبر من ذلك بكثير، ومنذ عصور العرب القدماء وحتى يومنا هذا كتب العرب الشعر باللغة الفضاء العذب، هذه الكمية المهولة من الشعر، من يملّها؟ أنا مللت منها يومًا ما، ولكنني في آخر ثلاث سنوات، عدت أستمتع بالشعر مرة أخرى، فوجدت في الشعر ما لم أجد من قبل، فماذا تغير؟
في مراهقتي اطلعت على الشعر في المدرسة، التي كان منهاجها يأخذنا عبر العصور من العصر الجاهلي حتى العصر الحديث، واستخلصت من هذا أن أجمل الشعر هو الشعر الجاهلي، حيث الأصالة والبلاغة، لأجد لاحقًا أن الشعر العظيم كتباه المتنبي والإمام الشافعي، حتى قرأت ديوانًا للإمام الشافعي فوجدت أن شعره العظيم معدود مر علينا جميعًا مرارًا وتكرارًا، وأعجبت كثيرًا أشد الإعجاب بشعراء نبطيين، وما إن أبحث عن شعرهم، أجد ما لا يشبعني شعريًا، فوصلت إلى نتيجة أني قرأت من الشعر أعظمه ولن أجد مثل ما قرأت، فكففت عن البحث.
لم أدرك الخطأ الذي وقعت به، حتى وجدت نفسي في وسط إلكتروني من محبي الشعر، الذين يروون شعرًا جديدًا لم أقرأه من قبل، شعر من كل حدب وصوب، من شعراء لم أسمع عنهم من قبل، من أزمنة مختلفة ومن بلدان مختلفة، لكن له عبقًا فريدًا أعادني لحب الشعر، أدركت حينها أني أخطأت حين قَوْلبت الشعر لأحب مصدر الشعر لا ذات الشعر، فليست العظمة في الشاعر أو ذلك الزمان أو في تلك البلاد، إنما العظمة في الشعر، وعلى هذا تلذذت بالشعر مرة أخرى.
هل مللت الشعر؟ أم أنك لم تجد بعد ما يطربك من الشعر؟ منذ فترة أقرأ الشعر المنشور في قناة تليجرام باسم “فضَاي الرحب.“، تنوع هذه القناة في شعرها واستمرارها جعلها نبعًا فريدًا من الشعر، ومؤخرًا تابعت راويًا للشعر في تويتر يُعرّف نفسه “إبراهيم يحيى KONTA أبوليلى“، يروي إبراهيم الشعر الفصيح وأَحَب وأكثر ما يوري شعر إيليا أبو ماضي الذي يرويه بإلقاء تفاعلي حي يجعل المستمع يتفكر فيما يقول ولا يتوه بفكره، أمّا في الأيام القليلة الماضية، فقد عرفت الشاعر “يحيى رياني“، الذي يكتب الشعر ويلقيه بانفعالات تخرج الكلمة في موضعها الأمثل بشاعرية فذة، وقد وجدت قصيدة نبطية لشاعر لم أعتقد يومًا أن في شعره ما قد يعجبني فلم أعِ نفسي إلا وأنا أسمع القصيدة مرة أخرى دون تردد وتملل، هذه إحدى قصائد خلف بن هذال “أنا الوافي فهد“، ما ذُكر هنا ليس لحصر الشعر، إنما لتثبيت أن الشعر العذب حي لا حصر له وقد نجده حين نظن أنا قد حصرناه.
الشعر نعمة من نعم الله، ومن نعم الله علينا أيضًا أن لغتنا هي العربية التي ألف بها الشعراء سنينًا طوال، فلا ينضب الشعر العربي أبدًا، وهذه رسالتي التي أتمنى أن تحيي في قارئها حب الشعر مرة أخرى، الشعر الذي يسرح بنا في عالم الخيال ويضيف للحياة ألوانًا وألوانًا، وإني لأطمع أن أطلع على ما تحبون من الشعر.
2 replies on “هل مللت الشعر؟”
في أحيانٍ كثيرة يكون للإلقاء نصيب من الإبداع ودور كبير في ابراز القصيدة، مثل الشاعر نايف صقر المتميز في الشعر و الإلقاء، كما يظلم الإلقاء السيء الكثير من القصائد.
شخصياً أُفضل الاستماع للشعر اكثر من قراءته!
إعجابإعجاب
حان الوقت إذن للاستماع إلى نايف صقر، وشكرًا على التعليق.
إعجابإعجاب