مقابلة: العمل في مصر مع المهندس عبدالعزيز

مقدمة

رغم خبرة المهندس عبدالعزيز السياري القصيرة بعد السنين إلا أنها منوعة جدًا ليظن من يسمع عنها أنه عمل لعقدين من الزمان على الأقل، عمل في مصر مدة ثلاث أشهر ثم عاد إلى السعودية، وبعد مرور سنة عاد إلا العمل في مصر مرة أخرى لمدة سنتين، هذه الفرصة كانت مقدمة من الجهة التي يعمل بها ليكتسب خبرة إضافية، وقد سبق أن عمل في لبنان عند ذات الجهة التي تأسست في بيروت، هذه الخبرة النادرة لمهندس سعودي هي الدافع لهذه المقابلة.

المقارنة بين العمل في مصر والسعودية

المقارنة غير عادلة قليلا وذلك يعود للسكن مع أهلي وارتباطي بالتزامات اجتماعية عكس ما حدث في مصر، وعملي في السعودية دائمًا في بيئة عمل مختلطة الجنسيات أما عملي في مصر فكان بين المصريين فقط.

المنافسة في مصر عالية جدا، فإما أن يكون الشخص غني مسهلة حياته بما فيها منصبه، وإما آخر منذ أول أيام حياته يعيش في منافسة حادة بين الملايين، لذلك كان هناك أمور لا أفهمها بينهم وذلك لأنني لم أكن أنافسهم فقد عملت هناك بشكل مؤقت بلا طموح لمنصب في مصر.

ومن الناحية الاجتماعية فإن الشركة تنقسم إلى قسمين: مهندسون ورسامون، فالرسامون قد تجدهم كبارًا في السن وذلك لأن لا مناصب لهم في المستقبل، وقد كنت محظوظًا بالجلوس بين الرسامين، وكانت الحياة جميلة بينهم، وذلك لأن تعلم الرسم يجب أن يكون بالمشاهدة والملاحظة والتطبيق، أما المواضيع الهندسية فيمكن تعلمها بالحديث، ومن بين الرسامين الرسام حسين كمال الذي كان معي في نفس الفريق.

أما أكثر ما يميز مصر فهي الفكاهة، ففي منتصف العمل نسمع نكتة يضحك عليها جميع من يسمعها خصوصا أن أصواتهم عالية، كما أن مشاركة الأحاديث الفكاهية سهلة بين الجميع فتجد اثنين يتحدثون ثم يدخل في حديثهم شخص ثالث بسلاسة مطلقة حتى وإن يجلس بعيدًا عنهما، خصوصًا إذا كان الحديث عن الكرة، ففي هذه الحالة فإن الحميع يشارك بما فيهم الشخص المار الذي لا يتوقف للحديث حتى.

أما الأمر المميز الآخر فلا حرج في الأكل في المكاتب، حتى وصل الأمر إلى أن الطعمية والفول أصبحت في المكاتب، قبل أن تتخذ الإدارة موقفًا غيرت به النظام، ليصبح الأكل في الأماكن المخصصة فقط، باستثناء المأكولات الخفيفة التي لا رائحة لها، فكان حسين صاحبي يحضر معه ست ساندويتشات يوميًا وكل ما أحس بالجوع التهم واحدة منها وهو يقول “إنت جوعتني يا زيزو”، وتوجد هناك ساحة الغداء التي تسمح للفرد استخدامها يوميا لمدة نصف ساعة وإحضار أي نوع من الأطعمة والمشروبات.

الذهاب إلى العمل

هذا شيء لم يواجهني قبل ذهابي إلى مصر وهو اختيار مكان السكن، وكان أول عمل لي في الرياض يستغرق ذهابًا ٤٥ دقيقة و ساعة ونصف الساعة للعودة، فالحمدلله كان العمل في منطقة متطرفة في مصر مكنتنا من الحصول على سكن جيد مقارب للعمل في حي مغلق يسمى بافرلي هلز الذي لا يبعد إلا ربع الساعة عن العمل، ولم نكن لنتحمل سعر ذلك السكن لولا فرق العملة، وقد استأجرنا سيارة فلم نكن نستطيع تحمل سيارات الأجرة يوميًا الذين يستفسرون دائمًا لماذا يعمل سعودي في مصر؟

السبت إجازة

أما أهم الأشياء فكان إجازة يوم السبت، فلم أكن أجد مثل هذا في السعودية، فكل خبراتي في السعودي كان بيوم إجازة واحد أسبوعيًا فقط وهو يوم الجمعة، فقد كنت سعيدًا بالحصول على إجازة يومين في الأسبوع وهي الجمعة والسبت، وقد كنت غالبًا استغل الجمعة في الراحة والسبت في التنزه والاستمتاع في مصر، وأما من يأتي للعمل في السعودية ولو كان لفترة مؤقتة مثل ثلاث أشهر فقط، فإن عطلة يوم واحد في الأسبوع أكثر ما ينكد عليهم هذه الفترة.

وائل عبد الذي قطع المقابلة باتصال منه

منصب وائل عبد كان باسم “أُفِس بوي”، وقد كان تقريبًا يقوم بكل المهام غير المرغوبة مثل إرسال الملفات، وكنت أُحضر معي البُن الخاص بي وهو يعد لي القهوة الخاصة، حتى أنه في آخر الأيام أصبح يحضر لنا فطائرًا من مخبز مذهل، ومثل هذه المخابز لا يمكن معرفتها أو الوصول إليها إن لم تكن من أهل مصر، والعمل معه مريح جدا فكل ما أحتاج إلى توقيع المدير كنت أرسل وائل إليه كما أنه يعرف العديد من المعلومات المفيدة في مجتمع العمل، وعلاقاته مع الجميع مذهلة جدًا، ولقد كان أيضًا يقوم بتبديل العملة ولكنني للأسف لم أعلم بذلك إلا في آخر أيامي في مصر.

ماذا بعد العمل

في البداية كان دائمًا هنالك نشاطات أقوم بها، حتى أحسست بالتكرار وعدم التجديد، ومن الصعب الاختلاط بالشعب المصري عكس ما كان في بيروت.

قد تبدو المقابلة غير منتظمة وذلك لعدم خبرتي في إجراء مقابلات من هذا النوع وقيادته والمحافظة على نسقها، إلا أن عبدالعزيز سهل المهمة التي كنا مستمتعين بها، والمقابلة لم تنته بعد، وفي جزئها القادم سنتحدث عن العيش في مصر.