ما المثير في هذا الدرب العتيق؟ فالزمان دار والتطور ساد، وما عاد السير على الأقدام حاجة للإنسان، فالمراكب تقطع الأرض و تشق الجبال على طرق معبدة لا يعيقها جبل كطويق، فما المثير في هذا الدرب العتيق؟
المسير على “درب أبا القد” رحلة شعرية عبر العصور، عصور مضت لم يستطع الإنسان فيها قطع جبل طويق إلا عبر هذا الدرب، فقطعه على الأقدام وبالقوافل وعبرته الجيوش، فهل أنت مستعد للمسير على هذا الدرب؟

يبلغ طول “درب أبا القد” أكبر من 1250 متر، وارتفاع أعلى من 170 متر حسب قياسات الجوال، ويحتوي على 34 منعفطفًا بين منعطفات حادة مهدها الإنسان وبين منعطفات هينة لم تحتج إلى تمهيد، وتتباين حدة ارتفاع الدرب فتارة يرتفع ارتفاعات حادة وتارة يستوي ولا يكاد يرتفع.
السائر على “درب أبا القد” من القاع حتى المنعطف الأول سيقطع مسافة متوسطة ليست شديدة الارتفاع، وتقصر المسافة حتى المنعطف الثاني، ثم يصبح الارتفاع حادًا والانعطافات الممهدة بالصخور متتالية حتى يتجاوز المنعطف السادس، ثم يقطع مسافات متوسطة كالبداية بين المنعطفات حتى المنعطف التاسع.
في هذه النقطة يرى السائر نفسه قد ارتفع عن القاع، لكن القمة ما زالت عالية، والمنعطفات أمامه متقاربة بارتفاعات متفاوتة حتى يتجاوز المنعطف العشرين، ثم تطول المسافات بين المنعطفات تدريجيًا حتى المنعطف الثالث والعشرين، وينحني المسار حينها بمحاذاة الجبل نحو القمة، ويصبح السائر حينها على مستوى طيران الطيور الجبلية ويشاهدها بوضوح تام، ويرى السائر حينها أول علبة مياه فارغة ملقاة على الدرب، وهذا مؤشر على الجهد العالي الذي يتطلبه المسير إلى هذه النقطة! وأما المنعطف الثاني والعشرين فيجاوره مساحة مستوية ظاهرة عن مسار الدرب وتبدو كاستراحة للعابرين.
تقود المنعطفات المتتالية من الثالث والعشرين إلى السادس والعشرين إلى مساحة غير ممهدة تبدو كالقمة، لكن السائر حينها يرى القمة قريبة وواضحة لا يقاوم نزول الدرب حتى يصل إليها ويحقق هدفه المنشود، ثم يلي ذلك منعطفين حادين تقوده إلى مساحة واسعة بها المنعطف التاسع والعشرين مجهزة بالكراسي للاستراحة بعد عناء المسير، لكن من يستريح هنا والقمة أصبحت شديدة لا يفصلها إلا خمس منعطفات متباعدة ووممهدة بالصخور إلا من اشتد به التعب وصعبت عليه أنفاسه.
وبعد تجاوز المنعطف الرابع والثلاثون والأخير، يفصل السائر عن القمة ست درجات يسيرة، ومع نشوة الوصول إلى القمة والتقاط آخر الأنفاس الصعبة للمسير على هذا الدرب المهيب، يود السائر رؤية القاع ومن أين بدأ المسير، لكن في القمة لا ينتهي المسير، حتى يصل السائر إلى رأس الجبل الجنوبي ليري المزاحمية وقصور آل مقبل وفيهق والطرق المتقاطعة هناك، ولا عجب أن من يصلي المغرب هناك يطيل التسبيح بعد المسير على هذا الدرب المثير.

عشت في الرياض ثلاثين عامًا وما سرت على “درب أبا القد” إلا في الأسابيع القليلة الماضية، وكلي أسف الآن أني لم أعط هذا المكان حقه من الزيارات.